الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآية رقم (2): {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)}{اليتامى} الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم. واليتم الانفراد. ومنه: الرملة اليتيمة والدرّة اليتيمة. وقيل: اليتم في الأناسي من قبل الآباء. وفي البهائم من قبل الأمهات.فإن قلت: كيف جمع اليتيم وهو فعيل كمريض على يتامى؟ قلت: فيه وجهان: أن يجمع على يتمى كأسرى، لأنّ اليتم من وادي الآفات والأوجاع، ثم يجمع فعلى على فعالى كأسارى. ويجوز أن يجمع على فعائل لجري اليتم مجرى الأسماء، نحو صاحب وفارس، فيقال: يتائم، ثم يتامى على القلب. وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء، إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال، فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم، زال عنهم هذا الاسم، وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يتيم أبي طالب، إمّا على القياس وإما حكاية للحال التي كان عليها صغيراً ناشئاً في حجر عمه توضيعاً له. وأمّا قوله عليه السلام: «لا يتم بعد الحلم»فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة، يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار.فإن قلت: فما معنى قوله: {وَءاتُواْ اليتامى أموالهم}؟ قلت: إما أن يراد باليتامى الصغار، وبإتيانهم الأموال: أن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء وولاة السوء وقضاته ويكفوا عنها أيديهم الخاطفة، حتى تأتي اليتامى إذا بلغوا سالمة غير محذوفة. وإمّا أن يراد الكبار تسمية لهم يتامى على القياس، أو لقرب عهدهم إذا بلغوا بالصغر، كما تسمى الناقة عشراء بعد وضعها. على أنّ فيه إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ، ولا يمطلوا إن أونس منهم الرشد، وأن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار.وقيل: هي في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فنزلت، فلما سمعها العمُّ قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع ماله إليه؛ فقال النبي عليه السلام: «ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره. يعني جنته فلما قبض ألفوا ماله أنفقه في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت الأجر، ثبت الأجر وبقي الوزر، قالوا: يا رسول الله، قد عرفنا أنه ثبت الأجر كيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال: ثبت أجر الغلام، وبقي الوزر على والده».{وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب} ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه.أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع منها والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز. منه التعجل بمعنى الاستعجال، والتأخر بمعنى الاستئخار. قال ذو الرمّة:أراد: ويا لؤم ما استخلفته الدال واستبدلته. وقيل: هو أن يعطي رديئاً ويأخذ جيداً.وعن السدي: أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة، وهذا ليس بتبدل، وإنما هو تبديل إلا أن يكارم صديقاً له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم إلى أموالكم} ولا تنفقوها معها. وحقيقتها: ولا تضموها إليها في الإنفاق، حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم. وتسوية بينه وبين الحلال.فإن قلت: قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم، فلمَ ورد النهي عن أكله؟ معها قلت: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال وهم على ذلك يطمعون فيها كان القبح أبلغ والذم أحق ولأنهم كانوا يفعلون كذلك قنعى عليهم فعلهم وَسَمّع َبهم، ليكون أزجر لهم. والحوب: الذنب العظيم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن طلاق أم أيوب لحوب» فكأنه قيل: إنه كان ذنباً كبيراً.وقرأ الحسن {حوبا} بفتح الحاء وهو مصدر حاب حوبا. وقرئ: {حابا}. ونظير الحوب والحاب: القول والقال. والطرد والطرد. .تفسير الآية رقم (3): {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)}ولمَّا نزلت الآية في اليتامى وما في أكل أموالهم من الحوب الكبير، خاف الأولياء أن يلحقهم الحوب بترك الإقساط في حقوق اليتامى، وأخذوا يتحرّجون من ولايتهم، وكان الرجل منهم ربما كان تحته العشر من الأزواج والثمان والست فلا يقوم بحقوقهنّ ولا يعدل بينهن، فقيل لهم: إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرّجتم منها، فخافوا أيضاً ترك العدل بين النساء فقللوا عدد المنكوحات، لأنّ من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله فهو غير متحرّج ولا تائب، لأنه إنما وجب أن يُتحرج من الذنب ويُتاب منه لقبحه، والقبح قائم في كل ذنب، وقيل: كانوا لا يتحرّجون من الزنا وهم يتحرّجون من ولاية اليتامى، فقيل: إن خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا. فانكحوا ما حلّ لكم من النساء، ولا تحوموا حول المحرّمات. وقيل: كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال أو يكون وليها، فيتزوجها ضناً بها عن غيره، فربما اجتعمت عنده عشر منهن، فيخاف- لضعفهن وفقد من يغضب لهن- أن يظلمهنّ حقوقهن ويفرط فيما يجب لهنَّ، فقيل لهم: إن خفتم أن لا تقسطوا في يتامى النساء فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم. ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور، وهو جمع يتيمة على القلب، كما قيل: أيامى، والأصل: أيائم ويتائم.وقرأ النخعي {تقسطوا} بفتح التاء على أن لا مزيدة مثلها في {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} [الحديد: 29] يريد: وإن خفتم أن تجوروا {مَا طَابَ} ما حلّ {لَكُمْ مّنَ النساء} لأنّ منهن ما حرم كاللاتي في آية التحريم. وقيل: (ما) ذهاباً إلى الصفة. ولأن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء: ومنه قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم} {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} معدولة عن أعداد مكررة، وإنما منعت الصرف لما فيها من العدلين: عدلها عن صيغها، وعدلها عن تكررها، وهي نكرات يعرّفن بلام التعريف. تقول: فلان ينكح المثنى والثلاث والرباع، ومحلهن النصب على الحال مما طاب، تقديره: فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً.فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟(قلت): الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال- وهو ألف درهم- درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. ولو أفردت لم يكن له معنى.فإن قلت: فلم جاء العطف بالواو دون أو؟ قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك. ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة: أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية، وبعضه على تثليث، وبعضه على تربيع.وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو. وتحريره: أنّ الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع، إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاؤوا متفقين فيها، محظوراً عليهم ما وراء ذلك.وقرأ إبراهيم: وثلث وربع، على القصر من ثلاث ورباع {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها {فواحدة} فالزموا: أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع رأساً. فإن الأمر كله يدور مع العدل، فأينما وجدتم العدل فعليكم به. وقرئ {فواحدةٌ} بالرفع على: فالمقنع واحدة، أو فكفت واحدة، أو فحسبكم واحدة {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم} سوّى في السُّهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء، من غير حصر ولا توقيت عدد. ولعمري أنهنّ أقل تبعة وأقصر شغباً وأخف مؤنة من المهائر، لا عليك أكثرت منهن أم أقللت، عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل، عزلت عنهن أم لم تعزل.وقرأ ابن أبي عبلة. {من ملكت} {ذلك} إشارة إلى اختيار الواحدة والتسري {أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ} أقرب من أن لا تميلوا، من قولهم: عال الميزان عولاً، إذا مال. وميزان فلان عائل، وعال الحاكم في حكمه إذا جار. وروى أن أعرابياً حكم عليه حاكم فقال له: أتعول عليّ. وقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تعولوا: أن لا تجوروا» والذي يحكى عن الشافعي رحمه الله أنه فسر (أن لا تعولوا) أن لا تكثر عيالكم. فوجهه أن يجعل من قولك: عال الرجل عياله يعولهم، كقولهم: مانهم يمونهم، إذا أنفق عليهم، لأنّ من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب. وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين، حقيقي بالحمل على الصحة والسداد، وأن لا يظنّ به تحريف تعيلوا إلى تعولوا، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من فِي أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً. وكفى بكتابنا المترجم بكتاب (شافي العيِّ، من كلام الشافعي) شاهداً بأنه كان أعلى كعباً وأطول باعاً في علم كلام العرب، من أن يخفى عليه مثل هذا، ولكن للعلماء طرقاً وأساليب. فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات.فإن قلت: كيف يقل عيال من تسرى، وفي السرائر نحو ما في المهائر؟ قلت: ليس كذلك، لأن الغرض بالتزوّج التوالد والتناسل بخلاف التسري، ولذلك جاز العزل عن السراري بغير أذنهن، فكان التسري مظنة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع.وقرأ طاوس: {أن لا تعيلوا}، من أعال الرجل إذا كثر عياله. وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي رحمه الله من حيث المعنى الذي قصده..تفسير الآية رقم (4): {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}{صدقاتهن} مهورهن، وفي حديث شريح: قضى ابن عباس لها بالصدقة. وقرئ: {صدقاتهن} بفتح الصاد وسكون الدال على تخفيف صدقاتهن. و {صدقاتهن} بضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة بوزن غرفة. وقرئ: {صدقتهن}، بضم الصاد والدال على التوحيد، وهو تثقيل صدقة، كقولك في ظلمة: ظُلُمَه. {نِحْلَةً} من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلاً. ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقاً بالعالية. وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء فكأنه قيل: وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة، أي أعطوهنّ مهورهنّ عن طيبة أنفسكم، أو على الحال من المخاطبين، أي آتوهنّ صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء، أو من الصدقات، أي منحولة معطاة عن طيبة الأنفس. وقيل: نحلة من الله عطية من عنده وتفضلاً منه عليهن، وقيل: النحلة الملة، ونحلة الإسلام خير النحل. وفلان ينتحل كذا: أي يدين به. والمعنى: آتوهن مهورهن ديانة، على أنها مفعول لها. ويجوز أن يكون حالاً من الصدقات، أي ديناً من الله شرعه وفرضه. والخطاب للأزواج. وقيل: للأولياء، لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم، وكانوا يقولون: هنيئاً لك النافجة، لمن تولد له بنت، يعنون: تأخذ مهرها فتنفج به مالك أي تعظمه. الضمير في (منه) جار مجرى اسم الإشارة كأنه قيل عن شيء من ذلك، كما قال الله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذلكم} [آل عمران: 15] بعد ذكر الشهوات، ومن الحجج المسموعة من أفواه العرب ما روى عن رؤبة أنه قيل له في قوله:فقال: أردت كأن ذاك. أو يرجع إلى ما هو في معنى الصدقات وهو الصداق، لأنك لو قلت: وآتوا النساء صداقهن، لم تخل بالمعنى، فهو نحو قوله: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصالحين} [المنافقون: 12] كأنه قيل: أصدّق. و{نَفْساً} تمييز، وتوحيدها لأنّ الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه. والمعنى: فإن وهبن لكم شيئاً من الصداق وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم {فَكُلُوهُ} فأنفقوه. قالوا: فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة، علم أنها لم تطب منه نفساً، وعن الشعبي: أن رجلاً أتى مع امرأته شريحاً في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع، فقال شريح: ردّ عليها. فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ} قال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وعنه: أقيلها فيما وهبت ولا أقيله، لأنهنّ يُخدعن. وحكي أن رجلاً من آل معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقاً كان لها عليه، فلبث شهراً ثم طلقها، فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان، فقال الرجل: أعطتني طيبة بها نفسها، فقال عبد الملك: فأين الآية التي بعدها فلا تأخذوا منه شيئاً؟ اردد عليها.وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى قضاته: إن النساء يعطين رغبة ورهبة. فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها، وعن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال: «إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضى به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم الله به في الآخرة».وروي: أن أناساً كانوا يتأثمون أن يرجع أحد منهم في شيء مما ساق إلى امرأته، فقال الله تعالى إن طابت نفس واحدة من غير إكراه ولا خديعة فكلوه سائغاً هنيئاً. وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط، حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل: فإن طبن، ولم يقل: فإن وهبن أو سمحن، إعلاماً بأنَّ المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة. وقيل: إن طبن لكم عن شيء منه. ولم يقل: فإن طبن لكم عنها، بعثا لهن على تقليل الموهوب.وعن الليث بن سعد: لا يجوز تبرعها إلا باليسير.وعن الأوزاعي: لا يجوز تبرعها ما لم تلد أو تقم في بيت زوجها سنة. ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف إلى الصداق الواحد، فيكون متناولاً بعضه، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله، لأنّ بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا. الهنيء، والمريء: صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ، إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه. وقيل: الهنيء: ما يلذه الآكل. والمريء ما يحمد عاقبته.وقيل هو ما ينساغ في مجراه.وقيل لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة (المريء) لمروء الطعام فيه وهو انسياغه، وهما وصف للمصدر، أي أكلاً هنيئاً مريئاً، أو حال من الضمير، أي كلوه وهو هنيء مريء، وقد يوقف على فكلوه ويبتدأ هنيئاً مريئاً على الدُّعاء، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين، كأنه قيل: هنأ مرأ. وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة.
|